سألني أحد تلاميذي بالصف الأول الإبتدائى، في أثناء درس "الأحياء–الجوامد" إذا ما كانت الشمس كائناً حيّاً... بمَ أجيب حيث أنها لا تتكاثر، ولا تتغذي ولا تنمو... بل إنها علي النقيض سوف تفنى يوما ما؟

يعتمد السؤال علي تعريف الكائن الحيّ، وسوف أترك ذلك لعلماء الأحياء ليتناقشوا حوله، مع العلم أنني شبه متأكد من أنهم لن يعدوا الشمس ضمن الكائنات الحية! وبالطبع تُولد النجوم، وتتغير وتموت ولكن هذا هو الحال لمعظم الأشياء ويبدو ذلك في رأيي معيار كبير بعض الشيء... ويتصف الكائن الحي أيضًا بوجود "معلومة هيكلية" منقولة عن طريق الـحمض النووي DNA الذي ليس له مثيل في الجوامد؛ وتعتبر الكائنات الحية أيضًا أنظمة مفتوحة علي البيئة الخارجية التي تغذيهم بالطاقة والمعلومات، وهذا غير موجود تمامًا في حالة الشمس ("فالتبادل" له اتجاه واحد نحو الخارج!)... ويشير ذلك إلى صعوبة التحديد الدقيق لما هو الكائن الحي كما يظهر ذلك بوضوح في الرحلات الاستطلاعية للمريخ مثلا..  

هل الشمس كائن حي أم لا؟ سؤال جيد. قد تكون المصطلحات خادعة لأن التحدث عن نشأة الشمس (أو النجوم)، وعن حياتها أو مماتها ليس إلا تمثيل عملي ولا يعبر عن كون الشمس كائناً حياً بالمعنى الحيوي للكلمة. للشمس مولد وحياة وممات مثل محمصة الخبز أو السيارة. ونقول عن الأشياء إنها "ميتة" حتى نشير إلي أنها لم تعد تعمل تمامًا، ولا تستمد بذلك صفة الحياة. فالذي يميز الكائن الحي هو الحمض النووي DNA أو للـ RNA في داخله. وهذا ليس بالطبع الحال بالنسبة للشمس. فالإجابة المختصرة البسيطة بالتالي هي أن "الشمس ليست كائناً حياً". ولكن إليكم بعض الأفكار التي قد تكون مفيدة أو على سبيل الدردشة... بصرف النظر عن هذا التعريف البيولوجي، فتعريف الكائن الحي ليس سهلا. يُعَرِّفه القاموس علي أنه عكس ما هو مجرد من الحياة أي الساكن. وبالتالي تعد أغلب النباتات كائنات غير حية... ولقد قرأت في مكان ما سؤالاً مشابهاً طرحة شخص ما البلورات: هي شكل منظم ينمو حسب تصميم محدد. لا يعد ذلك كائناً حياً ولكن كمرحلة نحو الكائن الحي. النقطة الثانية، الفيروسات. لا نعرف جيدًا إذا ما كان يجب تصنيفها ككائنات حية أم لا. فليس بها خلايا وهي غير قادرة علي التكاثر بمفردها أو "الحياة" خارج الخلايا المضيفة لها. وهي تختلف بالكاد عن البلورات... ولكنها تحتوي علي حمض نووي DNA أو RNA. بعض البكتيريا تكون لا هوائية، فهي تعيش بدون أكسجين فالكائن الحي في الواقع لا يتصف بأنه "يتنفس" كما أن أغلب النباتات تكون بنفس سكون الشمس. نقطة الاختلاف الوحيدة (في المستوى المرئي بالعين) أنني أري أن الشمس لا تتغذي من الخارج في أثناء حياتها وإنما تعتمد علي مخزونها الخاص. غير أن بعض الحشرات (الحشرات القصيرة العمر مثلاً، كفراشة دودة القز) لا تتغذى أبدًا وتعيش علي مخزونها الداخلي ويكون نظامها الغذائي ضامرًا. ومع ذلك فلست متأكدًا من كون ذلك صحيحًا طوال حياتها (فتلتهم دودة القز كمية كبيرة من ورق التوت قبل التوقف نهائيًا عن الأكل في مرحلة الشرنقة ثم الفراشة). قد يكون هناك بعض الأصناف التي لا تعيش إلا علي مخزونها المتراكم قبل مولدها مثل الشمس. الشيء الوحيد الذي يجعلني أفرق بين الشمس والكائن الحي (دائما في المستوى المرئي بالعين) هو أن الشمس يمكن أن توجد من خلال مسببات خارجية، فهي لا تحتاج لوجود شمس أخري بالقرب منها حتى توجد هي (حتى وإن كان الوجود "بمعاونة" شمس أخرى قد تم بالفعل). وبعبارة أخرى، بخلاف الكائنات الحية "يمكن الحصول على الكلاب من القطط" عندما يتعلق الأمر بالنجوم. وبالرجوع للمصطلحات الفنية: يلد الكلب كلبًا وليس قطًا حيث يعود الأمر إلى تسجيل مواصفات الكلب، ويكون هذا التسجيل هو الميراث الجيني، الذي لا يعد إلا تجميعاً لمعلومات مشفرة لهيكل جزيئي نسميه الـحمض النووي DNA. يتصف الكائن الحي بأن لديه الحمض النووي DNA (أو الـ RNA في بعض الفيروسات) والذي يعتبر بمثابة بطاقة الهوية للكائن الذي يملكه. أتمني ألا يكون ذلك مضحكاً لعلماء الأحياء...

لن تكون إجابتي ردًا، ولكنني أريد أن أؤكد أهمية السؤال. أعتقد أن أساس المشكلة هي استخدام كلمات ذات معني عام يختلف عن معناها العلمي (فمثلا: الميلاد، الموت، التكاثر...). إذا أخذنا تلك الكلمات بالمعنى العام، فيمكن القول أن الشمس "تولد"، "تحيا"، و"تموت"... وهي "تتغذى" علي موادها الخاصة (فهي تحول الهيدروجين إلي هليوم). وتنتقل (تدور حول مركز مجرتنا). تقوم بعمليات تبادل مع البيئة (ترسل الضوء والمواد في الفضاء). وبالنظر بعيدًا بعض الشيء يمكن التحدث عن "التكاثر" عن طريق نقل الأجسام: الذرات والجزيئات، ولكن ليس عن الجينات! وتعتبر فكرة أن الشمس كائن حي بعيد عن ذهني. وإنني أرى أن هذا السؤال يشير إلى أن استخدام الكلمات المبهمة يسمح بأي كلام يقال. ومن هنا تظهر ضرورة التعريف الصحيح، العلمي، للكلمات التي نستخدمها. ما معنى "مولد"، "نمو"، "تغذية"، و"ممات"؟